الخميس، 28 يناير 2016

كِتاب: مَع النّاس. لِ الشيخ علي الطنطاوي




               سقى اللهُ ما تحوي دمشقُ و حيّاها
فما أطيبَ اللذّاتِ فيها و أهناها
نزلنا بها و استوقفَنا محاسِنٌ
يَحنّ إليها كلُ قلبٍ و يهواها
لبسنا بها عَيشاً رقيقاً رِداؤه
ونلنا بها من صفوةٍ اللهو أعلاها
سلام على تلك المعاهد إنها
مَحطُ صَباباتِ النفوس ومثواها
رعى الله أياما تَقَضَت بقربها
فما كان أحلاها لديها و أَمْرَاها


هذه الأبيات لابن النقّار ذكرها علي الطنطاوي في معرض حديثه (إلى لبنان) نُشرت سنة 1937,  يذكر في هذا الحديث مواقف و مشاهد خلابة عن لبنان, حيث كان في رحلة مع عدد من الأصدقاء, و فيها يذكر الموايف التي واجهتهم أثناء ارتحالهم في هذا البلد الخلاب, مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية التي يتحدث عنها الشيخ الطنطاوي و الطابع الذي يطبع العصر الذي كان يتحدث عنه وفيه و هو الطابع الذي يسود كامل مقالات الكتاب.
أوائل التسعينات, و يتحدث عن أحوال الناس عموماً, و يخصّ الأحوال السيئة في الأخلاق و أسلوب الحياة. بأسلوبه الطريف, و يمزج حديثه في بعض الأحيان باستخدام مُفردات من اللهجة الشامية و يجد القارئ تفسير معانيها في هامش الصفحات.
من أشدّ ما أثار دهشتي في هذا الكتاب, أن معظم ما ذكره الطنطاوي في كتابه (مع الناس), و كأنه يصور ما يحدث في زمننا الحالي. حيث ذكر في حديث (إلى لبنان) كيف أنه و رِفاقه دُهشوا بمقابلة الذكور المتشبهين بالإناث, و  كيف أنه قد وجد صعوبة في التفريق بين مظهر الأنثى من الذكر حيث بدأ كل من الجنسين في التشبه بالآخر. و في حديث (صور دمشقية سوداء من ربع قرن) والذي نُشر سنة 1935 بأسى بالغ يذكر كيف أنّ الناس هجروا المدارس المهتمة بالتعليم الديني الإسلامي و انصرفوا إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس الأجنبية و التي تُكرس مناهجها لترسيخ العقائد المُحرفة في نفس الأطفال و الناشئة, و كذلك أحوال المتلبسين بلباس التدين والمشيخة, و كأنه يحكي عن الحال اليوم موازاة بأحوال الآباء الذين كرسوا أموالهم و جهودهم لإلحاق أبنائهم بالمدارس العالمية (الانترناشونال).  و في حديثه عن (الإذاعات العربية) يُنكر عليها عدم التوازن في انتقاء المادة المُذاعة و الإسراف في بث الأغنيات عوضاً عن التنويع في المواد المُذاعة مراعاةً لعامة الأذواق , و كيف أن الجيران لا يُراعون حقوق من هم بجوارهم في رفع أصوات المِذياع سواء في ساعات النهار أو القيلولة والاسترخاء أو ساعات الليل و الخلود. كما تطرق أيضاً إلى (مشكلة الزواج) حيث غلاء المُهور و مُتطلبات الزواج و حفلات الزفاف و الاستقبال و صرف الأموال الطائلة و المبالغة في تأثيث المنزل التي تقف عائق بين الشاب و بين الزواج و تحمله فوق طاقته. رحم الله الطنطاوي ليته يرى الذي يحدث في زماننا! (لصوص  الوقت), (مزعجات رمضان), (نساؤنا و نساء الإفرنج) ... و غيرها من الأمور التي تمس حياة الناس العامة ديناً أو دُنيوياً. و كان من ضمن المواضيع التي أثارت إعجابي و اهتمامي (الطلاب و العطلة) وفيه يذكر كيف أنّ وقت العطلة –الإجازة المدرسية- قد يساهم في انحراف الناشئة و يكون وبال عليهم و على المجتمع وفيه يذكر بعض الحلول و الأفكار لاستغلال هذه الفترة الزمنية مع الحرص على توفير المتعة و اللعب للناشيء.

شخصياً استمعت في قراءة هذا الكتاب و كنت أسابق الحروف و الكلمات كي انتقل للمقال التالي, و أتلذذ بمُفردات و طريقة سرد علي الطنطاوي و فُكاهته. كان هذا الكتاب بالنسبة لي تَعليمي, توجيهي و ممتع أيضاً.

كان هذا أول كتاب أقرأه للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله,  و أجدني بشدة قد وقعت في غرام أسلوبه و طريقته و مواضيعه أيضاً. 
 
 
 
Written By. Littel Black Dress

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق