سقى اللهُ ما تحوي دمشقُ و حيّاها
|
فما أطيبَ اللذّاتِ فيها و أهناها
|
نزلنا بها و استوقفَنا محاسِنٌ
|
يَحنّ إليها كلُ قلبٍ و يهواها
|
لبسنا بها عَيشاً رقيقاً رِداؤه
|
ونلنا بها من صفوةٍ اللهو أعلاها
|
سلام على تلك المعاهد إنها
|
مَحطُ صَباباتِ النفوس ومثواها
|
رعى الله أياما تَقَضَت بقربها
|
فما كان أحلاها لديها و أَمْرَاها
|
هذه الأبيات لابن النقّار ذكرها علي
الطنطاوي في معرض حديثه (إلى لبنان) نُشرت سنة 1937,
يذكر في هذا الحديث مواقف و مشاهد خلابة عن لبنان, حيث كان في رحلة مع عدد من
الأصدقاء, و فيها يذكر الموايف التي واجهتهم أثناء ارتحالهم في هذا البلد الخلاب,
مع الأخذ بعين الاعتبار الفترة الزمنية التي يتحدث عنها الشيخ الطنطاوي و الطابع
الذي يطبع العصر الذي كان يتحدث عنه وفيه و هو الطابع الذي يسود كامل مقالات
الكتاب.
أوائل التسعينات, و يتحدث عن أحوال
الناس عموماً, و يخصّ الأحوال السيئة في الأخلاق و أسلوب الحياة. بأسلوبه الطريف,
و يمزج حديثه في بعض الأحيان باستخدام مُفردات من اللهجة الشامية و يجد القارئ
تفسير معانيها في هامش الصفحات.
من أشدّ ما أثار دهشتي في هذا
الكتاب, أن معظم ما ذكره الطنطاوي في كتابه (مع الناس), و كأنه يصور ما يحدث في
زمننا الحالي. حيث ذكر في حديث (إلى لبنان) كيف أنه و رِفاقه دُهشوا بمقابلة
الذكور المتشبهين بالإناث, و كيف أنه قد
وجد صعوبة في التفريق بين مظهر الأنثى من الذكر حيث بدأ كل من الجنسين في التشبه بالآخر.
و في حديث (صور دمشقية سوداء من ربع قرن) والذي نُشر سنة 1935 بأسى بالغ يذكر كيف
أنّ الناس هجروا المدارس المهتمة بالتعليم الديني الإسلامي و انصرفوا إلى إلحاق
أبنائهم بالمدارس الأجنبية و التي تُكرس مناهجها لترسيخ العقائد المُحرفة في نفس
الأطفال و الناشئة, و كذلك أحوال المتلبسين بلباس التدين والمشيخة, و كأنه يحكي عن
الحال اليوم موازاة بأحوال الآباء الذين كرسوا أموالهم و جهودهم لإلحاق أبنائهم
بالمدارس العالمية (الانترناشونال). و في
حديثه عن (الإذاعات العربية) يُنكر عليها عدم التوازن في انتقاء المادة المُذاعة و
الإسراف في بث الأغنيات عوضاً عن التنويع في المواد المُذاعة مراعاةً لعامة
الأذواق , و كيف أن الجيران لا يُراعون حقوق من هم بجوارهم في رفع أصوات المِذياع
سواء في ساعات النهار أو القيلولة والاسترخاء أو ساعات الليل و الخلود. كما تطرق
أيضاً إلى (مشكلة الزواج) حيث غلاء المُهور و مُتطلبات الزواج و حفلات الزفاف و
الاستقبال و صرف الأموال الطائلة و المبالغة في تأثيث المنزل التي تقف عائق بين
الشاب و بين الزواج و تحمله فوق طاقته. رحم الله الطنطاوي ليته يرى الذي يحدث في
زماننا! (لصوص الوقت), (مزعجات رمضان),
(نساؤنا و نساء الإفرنج) ... و غيرها من الأمور التي تمس حياة الناس العامة ديناً
أو دُنيوياً. و كان من ضمن المواضيع التي أثارت إعجابي و اهتمامي (الطلاب و
العطلة) وفيه يذكر كيف أنّ وقت العطلة –الإجازة المدرسية- قد يساهم في انحراف
الناشئة و يكون وبال عليهم و على المجتمع وفيه يذكر بعض الحلول و الأفكار لاستغلال
هذه الفترة الزمنية مع الحرص على توفير المتعة و اللعب للناشيء.
شخصياً استمعت في قراءة هذا الكتاب و
كنت أسابق الحروف و الكلمات كي انتقل للمقال التالي, و أتلذذ بمُفردات و طريقة سرد
علي الطنطاوي و فُكاهته. كان هذا الكتاب بالنسبة لي تَعليمي, توجيهي و ممتع أيضاً.
كان هذا أول كتاب أقرأه للشيخ علي
الطنطاوي رحمه الله, و أجدني بشدة قد وقعت
في غرام أسلوبه و طريقته و مواضيعه أيضاً.
Written By. Littel Black Dress